Saturday, 18 December 2010

هذيان غير سياسي

يقلقني تحول بعض الفلسطينيين الى ممثلين للشعب ،فهم اصحاب المصلحة العليا ، ويعرفون بالضبط مداخل ومخارج تلك المصلحة ، هذا ينطبق على بائع الخضار وطالب السنة اولى جامعة ، والسياسي محترف الكلام وتدخين النارجيلة والشيخ والاستاذ الجامعي ، والكلام لا يبدا مع هؤلاء بحل السلطة او اعلان انتفاضة تجعل تمن الاحتلال باهظا ، ولا تنتهي بالاستعداد للعصر النووي والكيماوي ، ولا باس في اثناء الاسترسال فتح مختبر للاسلحة الجرثومية ي مدرسة مخيم الامعري، وتهريب علماء من ايران او من اخوتنا في القاعدة للقيام بهذه المهمة ، هناك افكار مظلقة لا ياتيها الشك لا من قبل او دبر ، افكار في مجملها تدعي على ان الفلسطينيين شعب عظيم ويختلف عن بقية شعوب الارض ، شعب الله المختار وليس اليهود ،يبدو اننا بحاجة الى تبديد هذه الخرافة ، نحن شعب عادي كبقية شعوب الارض وعلينا اقناع بائع الخضار ان يهتم بشغلة وان يتواضع ، من يقول بذلك نضعه في قائمة الاعداء او فلسطيني كاره نفسه ، تماما كما يفعل اليهود مع منتقدي هبلهم من ابناء جلدتهم ، متى نقنع الناس بان السياسة علم كبقية العلوم وانها صنعة كالنجارة والحدادة وصناعة الصواريخ والاحذية ، ربما علينا ان نقنع اولا مثقفينا بالكف عن منافسة السياسي واللهاث خلفه ، والشرح على متن نصه العقيم ، بعض مثقفينا باتوا شراح ومفسرين لما يعتقدون ان الساسي همس به او حلم به ، كيف نؤسس سويا لثقافة الخلاف والاختلاف ، لسنا مضطرين للوحدة والاتفاق ، من قال ان ان المثقف هو جزء من التركيبة الخرائية للوحدة ، ماذا تعني الوحدة الوطنية ، هل يمكن ادارة سياسة بمتناقضات ، هناك اغلبية تمارس برنامجها وعليها صيانة حق الاقلية بالتعبير عن رايها في اطار القانون ، او القانون الذي يتفق عليه ، المثقف اقلية ليس له من وظيفة سوى اعمال النقد والرقابة على اداء السياسيين والدفاع عن العقل والقانون ، الدفاع عن حقوق الانسان ، الدفاع عن حقوق الاقليات والمختلفين ، والمهمة الاخيرة ان يهتم بابداعه الخاص كروائي او شاعر او فنان .. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ،

Monday, 15 January 2007

افكار حول الاصلاح في العالم العربي

العزيز...
يمكن تطوير هذه العجالة والافكار السريعة التي لم اعد لتدقيقها ، مع الاعتذار سلفا لضيق الوقت
بداية ان موضوع علاقة الخارج بمعنى الضغوط الامريكية والاوروبية بعملية الاصلاح الساسي في العالم العربي باتت تحتل اهمية خاصة مع جملة من التطورات السياسية والاقتصادية التي حصلت في العقد الماضي ابرزها :
- الثورة العلمية والتقنية ، وبخاصة في ميدان الاتصالات الامر الذي قرب المسافات وحول العالم الى قرية صغيرة ، وكشف البلدان ، انظمة ومجتمعات ، ولعل انتشار الانترنيت والفضائيات ساهم بصورة جذرية في هز اساسات الاعلام العربي ومنظومات التفكير والقيم السياسية والثقافية ،
- تغيرات في البيئة الدولية واختفاء منظومة الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي ، هذه المنظومة شكلت على الدوام هامشا واسعا للمناورة لبعض الانظمة العربية وسندا جعلها توازن بين الضعوط الداخلية والخارجية ، وابالتالي تمكنت من الهروب من استحقاقات الاصلاح والتغيير
- غزو الكويت وانهيار اخر القلاع الفكرية التي تنتمي الى منظومة قومية تؤمن بالتوحيد القسري وما نتج عنها من اخراج للعراق من دائرة الاوهام القومية او الايديولوجيا الشمولية التي تقوم على اختزال الانسان والفرد لصالح الفكرة الكبرى
- عجز النظام العربي عن انجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بل على العكس من ذلك زادت معدلات البطالة والفقر كما زادت المديونية الخالرجية وانتعش الاقتصاد الطفيلي ، افتصاد المضاربات والوكالات الاجنبية ، الامر الذي تضاعفت معه حالات الفساد الاداري والمالي ، خاصة مع الاستجابة لبرامج صندوق النقد والبنك الدولي للتخلص من القطاع العام ، المر الذي خلق فئة من المستفيدين من كبار موظفي الدولة ولصوص القطاع الخاص
- عجز النظام العربي عن حل القضية الفلسطينية ومواجهة التهديدات الخارجية
- احداث الحادي عشر من ايلول وتحول الارهاب الى ظاهرة دولية لا وطن لها

ان هذه العوامل وغيرها كشفت عورات النظام العربي ووضعت موضوع الاصلاح على قائمة الاجندات الوطنية ، ولعل صدمة ان غالبية الذين شاركوا في عملية الحادي عشر من ايلول هم من العرب ، والخطاب الراديكالي التكفيري الذي رافقه ،فتح الباب لدفع استحقاق الاصلاح والتغيير بقوة ، واضيف هنا الى ان تقرير التنمية البشرية الذي كان لي شرف المساهمة المتواضعة فيه قد وضع الاصبع على نواح قصور خطيرة في كافة المستويات التعليميةةوالثقافية والاقنصادية والاجتماعية
لن اطيل ، لكن اقول ان موضوعة الاصلاح والتغيير في العالم العربي هي حاجة موضوعية حقيقية ، وغير مرتبطة بالضغوط الغربية على المنطقة والتي تدفع بهذا الاتجاه ، واذا كان من خلاف داخل اوساط النخب السياسية والفكرية فليس على ضرورة الاصلاح بل على الياته وربما مرجعياته ، ولا ابالغ اذا قلت ان احتلال الامريكي للعراق وافغانستان ، قد اثقل كاهل الداعين الى التغيير في المنطقة العربية لا بل وعقد مهمتهم ، ان الواجب الاكاديمي والثقافي يحتم البحث في اليات الخروج مما الحقته السياسة الامريكية من تشويش وعلامات استفهام حول الاصلاح ، خاصة وان كل اركان الادارة الامريكية الذين يدعون اليه هم ذاتهم الذين عجزوا عن تامين الاستقرار والامن للعراق ، فالنموذج العراقي المتشظي بين كل ما هو دون السياسي والاجتماعي بمعنى المذهبي والعشائري والطائفي والقومي هو الطافي على السطح ، وهو نموذج مرعب وغير جاذب كما أعد له
في هذه الندوة ومعنا اساتذه مرموقين من الولايات المتحدة واروبا نسعى معهم الى اسنشراف معالم المستقبل ، لان مصالحنا تتقاطع وتتشابك كثيرا ، فالركود والفساد واستمرار النظام التسلطي العربي وانغلاق افق تداول السلطة سلما ، ينعكس بالضرورة على اوروبا والعالم ، اضراره لا تتوقف عند الارهاب والهجرة الشرعية وغير الشرعية ، وانما حالة من التقابل والتناحر والصراع الحضاري ، او اختلاق حالة من العداء واعادة انتاج اعداء وهميين ، يجري الاستقطاب والتجنيد على اساسها لن تستفيد منها سوى قوى التطرف الديني والقومي في الجانبين
وحتى لا تبدو الصورة محبطة ومتشائمة وجتى اشجع الزملاء والاساتذة الافاضل على الخوض الفعلي والجدي في هذا الموضوع اقول سريعا ان امامنا فرصة تاريخية نحن معشر الاكاديميين للانشغال في ورشة عمل جدية من اجل التغيير والاصلاح خاصة وان كل التعبيرات السياسية والفكرية العربية ، قد طلقت مرة والى الابد انشاء الله ايديولوجيا التغيير بواسطة الانقلاب او بالقوة وان الجميع بما في ذلك التيارات الاسلامية الرئيسية والوسطية باتت تؤمن بصندوق الاقتراع والحوار الديمقراطي كوسيلة للتغيير والاصلاح وهو ما يسهل مهمتنا واشغالنا

أزمة حركة فتح ومنظمة االتحرير : رؤية من الداخل

أزمة حركة فتح

محمد مشارقة – لندن
يجانبه الصواب كل من لا يرى في الزلزال الذي احدثته الانتخابات التشريعية الفلسطينية فاصلا بين زمنين وتحولا نوعيا في الخارطة السياسية الفلسطينية لا زالت مفاعيل ارتداداته جارية ولما توقفت آثاره بعد، كما ويخطيء ايضا من لا يزال يعتقد ان بامكان قوى منظمة التحرير وفي مقدمتها فتح استعادة زمام المبادرة والعودة الى الحكم بعدتها القديمة، بعد ان وجه الشعب لها وعبر عملية انتخابية نزيهة حتى لا نقول ديمقراطية ضربة في الرأس لن تستفيق منها بالمكابرة والتبرير والبحث عن شماعات لتعليق الاخطاء عليها، ولا التمسك بآخر اوهام خشبة الخلاص على اهميتها، مؤسسة الر ئاسة ومنظمة التحرير، تلك الرؤى التي يؤمل منها ان تكون الجسور التي تعود بها فتح ظافرة الى مقاعد الحكم، ان اشاعة هذه الافكار والوصفات الساذجة من شانها اعفاء الجميع من الانخراط في عملية المراجعة الجدية العميقة والناقدة لحقبة كاملة من المسيرة الفلسطينية.
ان فوز حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي، وضع فصل الختام على مرحلة سياسية كاملة قادتها حركة فتح منذ نهاية الستينات من القرن الماضي، وفتح الباب واسعا لاعادة تشكيل معالم مرحلة جديدة على اسس وقواعد تستند الى جملة من المتغيرات التي حصلت عالميا واقليميا ومحليا ،منها :
1. حقبة جديدة في العلاقات الدولية تحت عناوين مكافحة الارهاب والتطرف الاسلامي قادها المحافظون الجدد في الولايات، وجدت تعبيرها في احتلال العراق وافغانستان، واطلاق العنان لمنطق استخدام القوة في مناطق اخرى من العالم، بغطاء ترسانة ايديولوجية دينية متطرفة، وهو ما استثار مروحة واسعة من التعبيرات الاسلامية الاصولية بتياراتها التكفيرية والجهادية وصولا الى تيار الاعتدال والوسطية، تيارات استقطبت قطاعات واسعة من الفئات الوسطى متعلميين ومهنيين واكاديميين مطحونة بمحدلة التطور الراسمالي، وشروط صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، قطاعات باتت النواة الصلبة الادارية والسياسية والثقافية للحركات الاسلامية بكل اطيافها.
وتجدر الاشارة هنا الى ان ظهور الاسلام الراديكالي العنيف في عداوته للغرب شجع اوساطا اكاديمية وسياسية في الولايات المتحدة في الدعوة الى غض النظر عن دور محوري لتياراسلامي معتدل في مواجهة التطرف .
2. الازمة الخانقة للنظام الرسمي العربي ومعه معارضاته القومية والليبرالية والاشتراكية ، نظام فشل في الحفاظ على السيادة والاستقلال والتنمية وتحريرالارض المحتلة، ولم يقدم سوى تجارب فذة في الفساد وتبديد الثروات الوطنية، ولم يستفد من منجزات العصر والحداثة سوى في بناء اجهزة القمع والتسلط على رقاب وعقول المواطنين، هذا في الوقت الذي كان فيه التيار الاسلامي يبني قواعده ويغرس جذوره في بنية ناقمة ومقهورة ومغيبة عن المشاركة، لتستفيق الانظمة الحاكمة ومعارضاتها على شبكة واسعة من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية تديرها الحركات الاسلامية وتغرف منها رصيدها الانتخابي وتعزز بها نفوذها وسط شرائح وفئات المجتمع كافة، بما فيها الفئات العاملة والمهمشة التي كانت مصدر قوة التيارات اليسارية في الخمسينات والستينات.
3. المراجعات المتقدمة التي قامت بها بعض الحركات الاسلامية لتجربتها العملية في العقود الماضية، والتي تقول صراحة برفض استخدام العنف كوسيلة للوصول الى الحكم والقبول بنتائج صندوق الاقتراع وبمبدأ تداول السلطة سلما، واحترام الاطر الدستورية القائمة، مراجعات باتت ترى في التجربة الماليزية والتركية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، نموذجا يمكن البناء عليه، كما ان الجهود الفكرية الفذه لبعض المثقفين المسلمين، ساهمت الثورة التقنية وعالم الانترنت في تعميمها، زودت هذه الحركات بمعين فكري كبير، سهل لها النزول من عالم السماء الى الارض، من عالم الدعوة الاخلاقية لاصلاح المجتمع والدعاء لولاة الامر بتسديد الخطى الى الدخول في حقل الممارسة العملية بالحكم المباشر.
على هذه الارضية ومنها يمكن الانطلاق في الحكم على ان ما جرى فلسطينيا لم يكن حالة عابرة ومنفصلة عن سياقها التاريخي. وان صعود حركة حماس الى سدة القيادة في بؤرة الصدام الاول مع المشروع الاستعماري بكل ما تحمله هذه البؤرة (فلسطين ) من مثقلات دينية وقومية لها دلالاتها العميقة وأكلافها الباهظة، فقد وضع هذا الصعود المفاجيء كل القوى الاسلامية التي انتعشت في اشتداد معركة الصدام الثقافي مع الغرب امام مسؤولية كبيرة لن تبخل في مد درة تاجها حركة حماس بكل اسباب العيش والاستمرار.
فتح الازمة البنيوية
تميزت حركة فتح باعتبارها اطارا وطنيا مفتوحا تجنب ومنذ البداية اعتناق ايديولوحية او فكر سياسي وتنظيمي محدد، رغم ان المؤسسين جاؤا من خلفيات سياسية وفكرية مختلفة قوامها الاساسي القومي والبعثي والاخواني، وشكلت السنوات العشر الاولى الذهبية من تاريخها، ردا مبدعا على الهزيمة العربية الاولى والثانية، واعطت املا وروحا جديدة للمناضلين الفلسطينيين والعرب، بامكانية النهوض والمقاومة، ورغم حالة الصدام العنيف مع الانظمة الرسمية التي لم يرق لها استقلالية الفلسطينيين في اخذ زمام المبادرة لبدء حرب تحرير شعبية الا ان فتح لم تراجع تجربتها السياسية والتنظيمية وظلت في بنيتها الداخلية تقوم على خليط من المنطلقات الاخلاقية والنضالية البسيطة تدور حول فكرة مقدسة هي النضال من اجل التحرير، التصقت قيادتها بقواعدها، عاشت همومها ومعاناتها.
شكلت مرحلة منتصف السبعينات منعطفا مهما في تاريخ حركة فتح، فقد تدفق الريع النفطي بعد الثورة الهائلة في الاسعار وبات مصدرا اساسيا لتمويل الحركة، وتمويل الحرب الاهلية اللبنانية او لمواجهة صعود تيارات اليسار عربيا وعالميا، استفادت فتح من الفورة النفطية بتوسع هائل في قاعدتها التنظيمية والادارية والعسكرية والاعلامية، ساعدها في الاطباق على خناق منظمة التحرير ومؤسساتها ومكنها من بناء شبه دولة في المنفى قاعدته جيش من الدبلوماسيين والاداريين والاعلاميين، وطفى على سطح الحركة نخب جديدة ارتقت الى موقع بين منزلتين الثورة والدولة، حملت معها قيم وسلوكيات هجينة تجمع بين سمات رجال الاعمال والثوار، لكن المعايير منذ ذلك الوقت اختلفت، ذوت معها قيم الطهارة الثورية والنزاهة والزهد والتواضع لصالح البذخ والفساد المالي والاخلاقي والمحسوبية والفهلوة وشراء الذمم، وتوسعت حالة التذمر والاحباط لدى قطاعات واسعة في الحركة لم ينقذها سوى ارئيل شارون بغزو لبنان واخراج قوات منظمة التحرير وتشتيتها.
وتدريجيا بات الزعيم عرفات يمسك بمعظم الخيوط التنظيمية والمالية منها على وجه الخصوص، يوزع المسؤوليات على عدد من الابوات المفاتيح الذين بدورهم ارتبطوا بشبكة من الانصار والمريدين على اسس لم تكن سياسية وفكرية دائما، بل في غالبيتها تقوم على المناطقية والجهوية والعشائرية، ومع الانشقاق الشهير الذي قاده ابوخالد العملة وابوموسى وسميح كويك وابوصالح في 1983 وكذا اغتيال ماجد ابوشرار في روما، وضع فصل الختام على ما تبقى من استقطابات على اسس سياسية وفكرية .
بانتقال مركز القيادة الفلسطينية الى تونس، واستشهاد القادة المؤسسين ابوجهاد وابواياد تمكن ياسر عرفات من الامساك وبصورة مطلقة بكامل الصلاحيات، وجاء مؤتمرالحركة الخامس ليرسم بالخاتم الرسمي حالة الخراب وانقلاب المفاهيم والقيم (التي وجدت تعبيرها الواضح في تشكيلة المجلس الثوري واللجنة المركزية)
وعلى صعيد العمل في الارض المحتلة التي كانت تدعى بالقطاع الغربي، زحفت موازين القوى الجديدة على هذا الجهاز بعد استشهاد قائده خليل الوزير ابوجهاد، وشهد عملية تصفية منظمة، حيث ابعدت الكوادر الرئيسية عن موقع القرار والعمل الميداني، وجرى اعتماد الاتصال الرأسي والتمويل المباشر بعيدا عن اللجان المناطقية، وهكذا وعلى قاعدة الاستزلام والولاء المرتبط بالمصالح الشخصية، تصدر المشهد السياسي في الارض المحتلة رموز بات ولاؤها المباشر لمموليها بعيدا عن قاعدتها او وزنها التنظيمي او الاعتبارات النضالية المتعارف عليها.
مع عودة القيادة من منفاها التونسي الى الداخل، انتقل ارث الادارة الفتحاوية وتقاليدها وقيمها الى الداخل، وبات الابوات والمفاتيح التنظيمة هم الماكينة الحزبية التي جرى الاعتماد عليها في الخارج، جرى استقطاب الاشخاص الذين ارتبطوا بالخيوط التونسية ليكونوا القنوات الى القاعدة الشعبية، ولتنظيم الولاءات والنفوذ للقادمين الجدد، وقد كوفئ هؤلاء بمنحهم الامتيازات الوظيفية في جهاز السلطة، وهكذا رحل المناضلون القدامى/الموظفون الجدد من الفئات العليا والوسيطة في الادارة الحكومية، الى العاصمتين الاداريتين غزة ورام الله تاركين خلفهم زملاءهم في النضال وعائلاتهم في مخيمات وقرى وبلدات البؤس والفقر والحرمان، لكن هذه الفئة صارت محط حسد وكراهية محيطهم الاجتماعي السابق، ومع تعطل مسيرة التسوية وانحطاط مستويات المعيشة وزيادة معدلات البطالة، والاغلاقات الاسرائيلية والحصارالدائم، كان السخط والاحباط الشعبي يزداد يوما بعد يوم.
شخص فريد واحد كان بامكانه فقط ان يدير هذه الشبكة من المصالح والادوات هو ياسر عرفات، الذي تمكن عبر شبكته القديمة والجديدة من الاستمرار في ضبط ايقاع الشارع وامتصاص غضبه وردات فعله على ممارسات ازلامه، عبر نظام من الهبات والاعطيات الشهرية التي يوزعها من خلال الوكلاء وفق نظام " يصرف له "، ينتظر هذا المندوب او الوكيل الفرصة المناسبة كي يفوز بتوقيع الرئيس، والذي يبدا بمئة دولار وقد يصل الى عشرات الاف، وترتفع مكانه المندوب في اوساط الجماعة بحسب قدرته على تامين التواقيع للصرف او الخدمات، ولم يكن هذا النظام ليقوى من النفوذ التنظيمي للحركة، بل لتعزيز المكانة الشخصية لهؤلاء الوكلاء، وهكذا قد لا يتمكن امين سر اقليم في حركة فتح من تامين توقيع كشف المساعدات من الرئيس بينما كان النجاح يحالف اشخاصا لا وزن ولا مكانة لهم سوى قربهم من احد الابوات النافذين. فقط ياسر عرفات كان بامكانه ضبط الايقاع في السلطة والمنظمة وفتح بكفاءة عالية بل ونادرة. فقد وزع الادوار والاموال والمواقع وخبر جيدا اثقال رجاله، وامسك بمقادير النظام الذي فصل على مقاسه تماما، وهكذا ارتبط التقدم والتطور، الصمود والمقاومة، المساومة والتراجع، الفساد والمحاسبة، كل ذلك باسمه وبتوقيعه، ولهذا لم يكن مستغربا ان يصل الجميع داخليا وخارجيا الى خلاصة مرة، أن لا امل في التغيير ما دام الرئيس عرفات على قيد الحياة، وساهم الموقف الاسرائيلي والامريكي الذي انقلب على عملية السلام في ادامة الجمود والعطالة في الحياة الفلسطينية، خاصة وان عرفات ربط غير مرة اجراء الاصلاحات باستكمال فرض السيادة على باقي الارض الفلسطينية التي حاصرها الاحتلال بالحواجز والاستيطان لتتحول الى معازل عنصرية حقيقية، فاودعت المناطق الفلسطينية في حالة من الترقب والانتظار، انتظار الظروف المحيطة او تدخل الهي كما كان يجيب عدد كبير من قادة السلطة وفتح على سؤال الاصلاح.
تدخل القدر فعلا ورحل عرفات الزعيم التاريخي والمادة الصمغية التي حافظت على لحمة الوضع الداخلي برمته، ومع رحيله انهارت البنى الفلسطينية جميعا من فتح الى منظمة التحرير، والسلطة وبات الحل السحري الذي يقول به الخلف محمود عباس هو المأسسة لفتح والمنظمة والسلطة .
كل ذلك جرى وحماس تبني سلطتها الموازية لبنة لبنة، بمنظومة شاملة من المؤسسات المدنية والعسكرية التي انغرست عميقا في الحياة اليومية الفلسطينية في الداخل وفي الشتات، ولهذا لم يكن انتصارها مفاجئا الا لمن اصابه صمم.
فتح واعادة عقارب الساعة الى الوراء
السؤال اليوم: هل يمكن اعادة عقارب الساعة الى الوراء، في تقديري ان الامر ولى الى غير رجعة، فالحديث يجري عن وحدة فتح، في غياب الموحد او ترميم آليات عمل لا وجود لها اصلا، فهي لم تكن يوما ومنذ عقود ثلاثة تنظيما حقيقيا يمكنه استئناف حياته بصورة طبيعية.
ربما كان ذلك ممكنا اثناء وجود فتح في السلطة وحولها جيش كبير من المنتفعين وبيدها كل قوى منظمة التحرير وهي مستوطنة بين شعبها وعلى ارضها. اما وبعد ان فقدت السلطة بمغانمها ومفاسدها فلا شيء يوحدها ويؤمن استمرارها بالصورة القديمة والاليات التقليدية، لقد كان تشكيل قائمة "المستقبل" لتمثيل جزء من فتح في الانتخابات التشريعية بمثابة الطلقة الاخيرة للجيل الجديد على آبائه بعد سلسلة الطلقات على اللجنة المركزية والتي تحول بعضها الى دمى للحرق في شوارع غزة. مايجمع فتح اليوم ماض من صفحات مشرقة لم يعد كافيا للتوحيد خاصة وان فصل الختام لهذه المسيرة لم يصنع انتصارا ولا سيادة بل حكما ذاتيا مشوها لا دور متروك له سوى القيام بحراسة المحتل.
ما الذي يوحد ثلاثة تيارات اساسية في فتح: قاعدة عريضة في السجون والاجنحة المسلحة والمواقع التنظيمية الريفية اساسا هي اقرب سياسيا وفكريا وقيميا الى حركة حماس وتيار اخر في النخبة الفتحاوية الاولى والوسيطة يؤمن حقا بالتسوية السلمية والاستمرار في الحفاظ على ما تحقق من منجزات والبناء عليها والقول بالمقاومة بكل اشكالها داخل المناطق المحتلة وهؤلاء اقرب في الواقع الى تيارات اليسار والمجتمع المدني، اما التيار الثالث فهو موجود في النخبة السياسية التي تتقاطع مع رأسمالية محلية وكيلة وادارات المؤسسات الاهلية وهو لا يرى غير الالتحاق والتطابق مع المشروع الامريكي الاسرائيلي على قاعدة الشراكة السياسية والاقتصادية لان هذا هو المتاح في عصر السيادة الامريكية على مقدرات الكون. ان التعبير السياسي عن هذه التيارات يمكن التأشير على مقولاته و تم التعبير عنها بوضوح حتى في زمن حياة الزعيم عرفات .
ان من يراهن على امكانية تحويل الحركة سريعا وبمؤتمر الى تنظيم عصري يحتكم الى المؤسسات والتعددية السياسية والفكرية واهم تماما، لان حجم التدخلات الخارجية والاغداق المالي على فتح سيضاعف حجم الاستقطاب غير المبدأي داخلها (ايران، دول الخليج، اوروبا، الولايات المتحدة، واسرائيل).
لقد استعارت حماس كامل برنامج فتح التاريخية، ويمكنها ان تلتزم بالنزاهة ونظافة اليد والادارة الرشيدة بصورة مقنعة افضل من تجربة فتح لان بامكانها في ميدان الخدمات الاجتماعية ان تسحب قطاعا واسعا من اسر الشهداء والاسرى والجرحى والايتام والمفقرين والمهمشين، وقد فعلت ذلك من خارج السلطة، ولهذا ليس بمقدور فتح منذ اليوم ان تنافس حماس في ملعبها، كما ان اعادة بناء مؤسسة فتح على اسس الوسطية والانفتاح والحداثة يحتاج الى فترة اختبار طويلة فالشعوب لا تنتقل في خياراتها بين ليلة وضحاها، كما ان على الناس ان يلمسوا تغييرا مبدعا وجديا حتى يعيدوا النظر بموقفهم من الاسلاميين، ولا بد من متغير دولي واقليمي يسهل على فتح استعادة دورها وبرنامجها وشعاراتها وهو ما لا يبدو في الافق القريب. مع ادارة بوش والادارة الاسرائيلية القادمة.
مصدر القوة الرئيس لفتح اليوم هو الميدان السياسي الواقعي الذي يتقاطع مع الارادات الدولية الذي لا زالت تقول بمركزية القضية الفلسطينية في سلام الشرق الاوسط ، لكن أفق الميدان السياسي مغلق بل ومصدر ضعف لفتح في المرحلة المنظورة على الاقل، بعد تعطلت العملية السياسية وسلمت مقاليدها الى يد الحكومة الاسرائيلية، وسيتضاعف هذا الامر مع تسلم حماس مقاليد السلطة، فالقوى الدولية تهدد جديا بالاستراحة من مسؤولياتها بعد ان استبدلت كل اطر عملية السلام وفق الاتفاقات والقرارات الدولية من اتفاقات اوسلو وواشنطن والقاهرة ومبادرات ميتشل وتينيت بخارطة الطريق المثقلة باربعة عشر لغما وضعها شارون بموافقة امريكية.
نحو صيغة مانديلا في المؤتمر الوطني :
لا حاجة بنا الى القول ان الوضع الذي آلت اليه فتح ينطبق على فصائل منظمة التحرير جميعا، فلم تتمكن هذه الفصائل التي اعترضت على اتفاقات اوسلو من الزام اعضاءها بقرار تنظيمي يمنع الالتحاق بسلطة وصفوها بـ"التفريط والخيانة"، وادى العصيان التنظيمي الى انهيارات لكادر اساسي ومفصلي التحق علنا وبدعم من عرفات بالسلطة، ثم تراجعت هذه الفصائل وعادت تحت يافطة حضور جلسة المجلس الوطني في غزة عام ستة وتسعين لتطالب بحقها من حصة الصندوق القومي لمنظمة التحرير بعد ان باتت المصدر الرئيس لتمويل هذه الفصائل، واصبح عرفات الممول الرئيس بورقة الصرف الشهرية للانفاق على المكاتب والمتفرغين والاعلام لهذه الفصائل، وهو الامر الذي الحقها واقعيا بسلطة عرفات، وازال الفروق بينها وبين فتح، بل ودخلت هذه الفصائل وعلى مدار سنوات في مساومات مع الرئيس عرفات لاستيعاب مناضليها في مؤسسات السلطة وفق كوتات ومراتب مدنية وعسكرية محددة.
لقد كشفت الانتخابات التشريعية عن حقيقة ان الهم السياسي الوطني لا زال مركزيا وموجها كما كشف عن ان الحكم النزيه والرشيد سواء في المستوى المحلي او الوطني مسألة متلازمة وأساسية في خيار الفلسطيني امام صندوق الاقتراع .
في مثل هذه الظروف تبدو فتح في وضع صعب، سواء اختارت الانضمام للحكومة او اختارت البقاء في المعارضة، فآليات العمل الداخلية التي ضبطها ياسرعرفات لا يمكن استحضارها مجددا بعد رحيله، ولم يتوفر الوقت الكافي لابداع اليات جديدة تؤطر التعدد والتنوع والخلاف، ولهذا يبدو ان اقل الاضرار الوطنية والتنظيمية هي في المشاركة في حكومة حماس، لتأمين عبور النفق الانتقالي الى صيغة جديدة وكذا تجاوز مخاطر الجمود في العملية السياسية.
أما الرهان على استعادة مكانة المنظمة وبعث الحياة فيها فهو ضرب اخر من الاوهام التي يتمسك بها البعض داخل فتح واليسار كخشبة خلاص، فالمنظمة شاخت منذ زمن، والقوى المشكلة لها لم يعد لبعضها وجود على الارض وانفضح امرها في الانتخابات المحلية والتشريعية الاخيرة، عدا عن ان امتدادات المنظمة في المنافي والشتات تحولت في العقد الاخير الى هياكل وهمية حلت مكانها دينامية تديرها حماس بشبكة معقدة من المصالح والمؤسسات المدعومة من تيار الاخوان المسلمين الدولي.
اليوم وبعد فوز حماس لم يعد ممكنا الحديث عن موافقتها على عرض حصة 40% من مقاعد المجلس الوطني وقيادة المنظمة فهي (حماس) تسير على خطى حركة فتح ومناوراتها للاتحاق بالمنظمة بين اعوام خمسة وستين وتسعة وستين والتي انتهت بالسيطرة المطلقة على المنظمة، ولا يخفى ان اللجوء الى اي شكل ديمقراطي حقيقي واجراء الانتخابات في الاماكن الممكنة في المنافي يفضي واقعيا الى نتائج محسومة سلفا لصالح حماس في ظل غياب فتح وحلفائها عن الساحات الخارجية وتوقفها عن العمل في الاردن وسوريا، كما ان المنظمات الشعبية ذراع فتح في المنافي والشتات انتهت بصورة مريعة منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما.
ولهذا نقول بحزم ان لا جدوى من النفخ في قربة مثقوبة ولا استعجال احياء منظمة التحرير في الظروف الحالية قبل ان تتمكن فتح من التقاط انفاسها وترتيب صفوفها لان هذا الاستعجال يعني ببساطة اهداء منظمة التحرير بعد السلطة الى حركة حماس، ان فتح مدعوة اليوم اذا ارادت الاستمرار في الحياة السياسية الى الانخراط في ورشة عمل حقيقية صريحة وشفافة من اجل تقييم جدي للمسيرة الماضية بمشاركة كل الوطنيين من اجل ابداع افكار جديدة تطلق الحيوية والنشاط بهدف الخروج من الازمة الذاتية البنيوية، تحرك ذو شقين: الاول داخلي للوصول الى توافقات الحد الادنى من صيغة عصرية تحتمل القبول بالتعددية والمنابر السياسية في الاطار الواحد وآليات تنظيمية تؤمن حماية هذه التعددية وتنوع اشكال النضال، اما الشق الاخر فله صلة بالمسؤولية الوطنية عن مجموع الحركة الفلسطينية بتعبيراتها المختلفة اليسارية والقومية والدينية المستنيرة، التي دخلت هي الاخرى في مرحلة التشرذم والموات، مطلوب من فتح الخروج الى الحلفاء من اجل تجاوز الازمة والاقتراح هنا صيغة ائتلاف عريضة تستمر عدة سنوات قبل الاندماج الكلي، صيغة المؤتمر الوطني الفلسطيني بما يشبه الى حد بعيد المؤتمر الوطني الافريقي بقيادة نلسون مانديلا، صيغة تجمع بين المتدينين والعلمانيين والوطنيين القوميين تقوم على رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة تقنع اعضائها وجمهورها والشعب بان شيئا قد تغير.
ان المرحلة في جوهرها لا زالت تحمل سمات ومهمات التحرر الوطني ذو الابعاد الاجتماعية، واذا ما توفرت الارادة السياسية والاعتراف بحجم المأزق والمخاطر فان فتح يمكنها تقديم البدائل وتجاوز الازمة بما يعيد تشكيل الحركة الوطنية على اسس جديدة، بدائل تنقذها من ذاتها وتنقذ الفصائل المتحالفة معها من تشرذمها وضعفها، عل ذلك يعجل في اخراج الوضع الفلسطيني من ازمته ويوقف مسلسل التصفية الزاحف سريعا على كامل المشروع الوطني، ان سقوط السلطة بقيادة حماس لن يكون في مصلحة فتح ولا فصائل منظمة التحرير، لانها لم تعد تشكل بديلا مقنعا. فالبديل هو عصابات مسلحة في المدن تشكل اداراتها المحلية وتفرض الامن والنظام على الطريقة الصومالية وهو بالضبط ما تريده اسرائيل.

مع صديقي مالك



أكاد اجزم ان الله بعث لي بجاري مالك الباكستاني المتقاعد كي يعاقبني على بعض الهفوات الصغيرة، فهو لم يتوانى عن استدراجي للنقاش السياسي الخطر كلما امسك بي متلبسا بالتدخين في الحديقة المشتركة لمنزلينا. ذات صباح، اشعلت غليوني ودلفت الى الحديقة، وكأننا على موعد، مالك بكامل اناقته وربطة عنقه، القى علي السلام الكامل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بادرني دون مقدمات بالسؤال عن آخر الاخبار، قلت لا أخبار لدي سوى ان مدرسة ابني تطلب مني اثباتا من المسجد بانني امارس واجباتي الدينية حتى يقبل هذا العام، ولان المدرسة لا تبعد عن منزلي سوى امتارا قليلة، فانني مصر على تسجيله في هذه المدرسة، ولا وقت لدينا للسفر اليومي لمدارس بعيدة. قال الموضوع في غاية البساطة اذهب للمسجد المجاور وبدأ يشرح أقصر الطرق للوصول اليه، تجد هناك ابو صهيب، عرفه بنفسك، واطرح عليه مشكلتك وسيمنحك الورقة قلت انا اعمل ليل نهار ولا وقت لدي، واردفت إذا كان من المناسب ارسال زوجتي لتقوم بالمهمة نيابة عني... قال بالطبع، ليست مشكلة ...
وهكذا... ذهبت فاطمة الى المسجد وسألت عن ابي صهيب، نظر اليها بتحفظ، ودون ان يسألها عن غايتها سأل ألست مسلمة، قالت بلى والحمد لله، قال وهل تعلمين آداب اللباس والحشمة في الاسلام قالت بلى فأنا من اسرة مسلمة تحرص على واجباتها الدينية، وانا اصلي مع النساء بعض ايام الجمعة، قاطعها بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ردت عليه بانها تعلمت ان الاصل هو اللباس المستور، قاطعها وقال لها ارسلي لي زوجك لاتحدث معه.
عادت زوجتي الى البيت، واسمعتني ما قال لها ابا صهيب، قلت دعي الامر لي، وسأذهب بنفسي الى المسجد، وهذه آخر مرة استمع فيها الى نصيحة مالك، الذي يختص في توريطي في مصائب بلاد الانجليز.
ذهبت الى المسجد، وقابلت ابو صهيب وبادرت بتعريف نفسي وبأنني مطرود من بلادي، والمدرسة تصر على ورقة منكم، قاطعني قائلا "لكني لم ارك في مسجدنا قلت ان عملي يستهلك جل وقتي، سأل عن عملي، غضب وقال انت تعمل لدى طغاة، ثم انك وانت المتعلم تسمح لزوجتك ان تكون مكشوفة الوجه واليدين، وكشف الوجه ذريعة للزنى فهو حرام شرعا لما ينشأ عنه من عصيان، قلت اسمح لي يا شيخ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الوجوه سافرة في المواسم والمساجد والاسواق، وما روي عنه قط انه امر بتغطيتها، ثم اذا كانت الوجوه مغطاة فعم يغض المؤمنون ابصارهم كما جاء في الاية الكريمة " قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم" عن ماذا يغض المسلمون ابصارهم. واضفت ان الشرع امر بكشف الوجه في الحج وفي الصلاة، قال ان السماح بكشف الوجه في الحج يعني ان الوجه يجب ستره فيما وراء ذلك وأن على المرأة ارتداء النقاب والقفازين. قلت لو ان الله اراد ستر الوجه لذكر ذلك صراحة "وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، انفعل ابا صهيب وقال من اعطاك الحق في التحريم والتحليل، نحن يا اخي في بلاد الطواغيت والكفر، والرذيلة والفساد هي السائدة، ويجبب التشدد في هذه المواضيع. قلت يا شيخ انك تبالغ في الغلو، واسلامنا دين يسر، ونحن مختلفان، اني في غنى عن ورقتك، وغادرت المسجد، عدت الى بيتي مكدور النفس، راجعت ملف المدرسة والسبب الرئيسي لرفض الادارة تسجيل ابني، فتبين لي انهم وضعونا تحت بند غير الممارسين لدينهم، وان ذلك سبب رئيسي لوضعنا خارج اللائحة.
اليوم التالي ذهبت الى المدرسة، قابلت الناظر الذي شرح لي ان المدرسة اساسا هي للكنيسة وخدمة الرعية واذا كان هناك من فرصة لقبول اتباع الاديان الاخرى، فليكونوا من المؤمنين.
قلت انا مؤمن بالله وبرسله، ولكني فشلت في الحصول على ورقة من المسجد، ولا اريد الكذب والنفاق والحصول على الورقة بطرق ملتوية، وصراحة ومبدأيا ارفض الحصول على ورقة بهذه الطريقة، والله فقط هو من يشهد على ايماني قال اذن اختلفنا وبامكانك الاستئناف، والتظلم لمن تشاء، فكل المسلمين هنا احضروا الاوراق من مساجدهم، وشدد في نهاية حديثه على ان لا مكان لولدي في هذه المدرسة، حاولت مقاطعته، ان ذلك مخالف لكل القوانين، ثم ان غالبية اصدقاء ابني من الجيران قبلوا واريده ان يستمر في صرامته لهؤلاء الاطفال الذين رافقوه في الروضة، قال ان لا شيء يمكنه فعله لي. انتهت المقابلة.
زاد حنقي وغضبي على هذا المأزق الذي اواجهه في بلد الليبرالية الاول في الغرب، وقبل ان ادلف الى بيتي خرج المستر مالك من بيته ليسألني عن مصير الولد والمدرسة، اعدت عليه باختصار نتائج نصيحته، ابتسم وقال لا تعقد المسائل، اذهب الجمعة الى الصلاة في مسجد اخر، وبعد الصلاة، اذهب الى الشيخ واطلب الورقة ولا تجادله في شئ...وحل الموضوع يحتاج منك الى مرونة، كن عمليا يا برذر هذه هي الحياة، اضاف هذه بريطانيا العظمى

موجة عداء للمسلمين

قضية المسلمين والعرب في اوريبا باتت تحتل مكانة بارزة في الادبيات السياسية والاجتماعية في وقت تتزايد فيه حالة الانغلاق والتقوقع
وسؤوال الهويه الثقافية في هذه البلاد وكذلك بعد ان شهدت العواصم الاوروبية موجة عنف وعمف متبادل وظهور الحركات والمحموعات اليمينية التي تتحدث صراحة في عدائها للمسلمين والعرب والمهاجرين ولعل احداث فرنسا مطلع هذا العام , والاثار السلبية التي خلفتها التفجيرات الدموية في 7/7 العام الفائت وكذا تداعيات الرسوم المسيئة للرسول الكريم في الدانمارك ، كلها احدات رع ناقوس الخطر لمستقبل العرب والمسلمين في اوروبا

المسؤول المطروح اليوم على من تقع مسؤولية فشل سياسة الاندماج في المجتمعات الاوربية ، هل نكتفي بالقاء اللوم على الدول المضيفة وسياستها الاجتماعية والثقافية والتعليمية ، ام ان قسطا من المسؤولية تتحمله الجاليات العربية والمسلمة ، وكذا النخب الثقافية والاعلامية والدعاة والفقهاء الدينيين في هذه البلاد ، وما يرتبط بكامل الخطاب الانعزالي والتخويفي من نخاطر الاندماج والذوبان في ديار الطواغيت والكفار
بعض المقتفين العرب الذين التقوا في عدد من الندوات والمؤتمرات التي تبحث موضوع الاندماج تحدثوا صراحة عن التوقيت غير المناسب لطرح هذه الموضوعات الشائكة ، في ظل انبعاث حالة من التطرف الاصولي المسيحي واليهودي والاسلامي الامر الذي يجعل من الحوار العقلاني حول موضوعة الاندماج والتعصب في البلدان الاوروبية ضربا من اللامعقول , بعض التصورات تشير الى ان الحكومات الغربية لم تعط اهمية منذ بداية الهجرات العربية والمسلمة ، وان الحسابات تركزت على اهمية العمالة الوافدة والرخيصة في بناء اقتصادات ما بعد الحرب العالمية الثانية ولم تفكر في الاستحقاقات الثقافية والعملية المتوجبة على ذلك فيما بعد، خاصة وان هذه الجاليات لم تعد تجمعا طارئا ومؤقتا ، بل تحولت تدريجيا ومع مرور السنين الى مجتمعات مستقرة لها هويتها الخاصة وتناقضاتها التقافية والقيمية ، فالجيل الثاني والثالث من العرب في هذه الديار نشا وتعلم وعمل في بيئة تتناقض مع قيم البيت او ثقافة المجتمعات الاصلية ، وتشير الدراسات انه كلما فشلت او تراجعت برامج الاندماج او كلما تراجعت افكار وقيم التسامج في المجتمعات الغربية بصيورة اجزاب قومية متطرفة او تقافة معادية للاجانب كلما ازدا الاجاتب ابناء الاقليات العربية والمسلمة تظرفا وانعزالا لا وباتواكثر عرضة لمصيدة التطرف واستخدام العنف بكافة اشكاله .
في بريطانيا والمانيا وفرنسا وهي البلدان التي يعيش فيها الجزء الاكبر من الجاليات العربية والمسلمة بدات المؤسسات السياسية والثقافية تعيد مراجعة السياسات التي اتبعت تجاه الاجانب وبخاصة العرب والمسلمين منهم ، ولم تكتف هذه النخب بالحديث العام عن النجاحات التي تحققت بفعل بروز افراد من الجيل الثالث الذي حقق بعض النجاحات وقدم نموذجا للاندماج ، بعد الاحداث التي شهدتها اوروبا تعززت لغة الانتقاد لمجمل السياسات التي اتبعت في العقود الماضية ، وطذا الاعتراف بحجم الاخطاء التي ارتكبت بحث الاجيال الديدة من ابناء المهاجرين العرب والمسلمين مثل إدارة ظهر الادارات الجكومية لعناصر مؤثرة في الجاليات وخاصة تلك التي لا تعتبر الدين هو الدولة، وكذا الاعتراف بخطأ وضع السياسيين الاسلام كدين في موقع الاتهام والنظر اليه كعدو، فهناك الكثير من المسلمين المعتدلين يجب استغلال العلاقة معهم من اجل بناء جسور مع المجتمعات المهاجرة المنغلقة التي تشكلت وزادت تقوقعا خاصة بعد اعتداء الحادي عشر من ايلول.

في الوقت نفسه ينبغي ان لا نتوقع من الساسة والمثقفين الاوروبيين تساهلا مع المتعصبين . اذ لا يعقل مثلا السماح لبعض الدعاة من امثال ابوحمزة المصري او ابو قتادة في بريطانيا او لامام كولونيا التركي قبلان المناداة ببناء دولة اسلامية " دولة الخلافة" في عقر دار الكفر والطواغيت كما يسمونهم في ادبيات التطرف والتعصب . فهؤلاء يشكلون خطرا ليس فقط على المجتمعات الاوروبية وحسب بل وعلى مواطنيهم ايضا.
.
وحيال هذا الوضع قال مفوض شؤون الهجرة والاندماج في ولاية برلين غونتر بينغين في مقابلة له مع تلفزيون " د دبليو ان " على المجتمعات المنفتحة والمفتوحة على المهاجرين ان تعي قضية هامة وهي ان المهاجرين ياتون ومعهم ايضا تصوراتهم وقيمهم ومشاكلهم وعلينا استقبالهم بسعة صدر من جهة لاننا نريدهم ومن جهة اخرى علينا ان نضع حدودا واضحة لهم وهذه الحدود هي الدستور". ويرى بينغين ان التكهنات التي بدأت تظهر عن حجم هؤلاء المهاجرين الرافضين للقيم الالمانية مبالغ فيها كما النقاش حولها.
ان اصوات العقل والموضوعية التي بدا تظهر في الاعلام الغربي في الموقف من الجاليات العربية والمسلمة ،نحتاج الى جهود مضاعفة من النخب العربية والمسلمة التي تمتلك تاثيرا في محتمعاتها من اخل تحويل هذه الاصوات الغربية الى سياسات تجد ترجمتها في القوانين والاجراءات الخاصة بالاجانب ، والبداية تكون بتصحيح وتصويب المفاهيم التي ترى في المجتمعات الاوروبية سوى مجتمعات للكفار، في الوقت نفسه لا تريد مغادرتها. ليس هذا فقط بل ويعيش العديد على المعونات الاجتماعية مع زيادة الانجاب،

Sunday, 31 December 2006

مهزومون استر

في مثل هذه الاجواء المشحونة من كل النواحي ، والمخاطر التي يحملها الشعور بالنصر لدى بعض العرب ، بعد ما جرى لجيش اسرائيل العظيم على يد حزب الله في لبنان ، فاني وبعد الفحص والتدقيق وشعورا مني بالمسؤولية عن ابناء جلدتي المهاجرين في بريطانيا ودول اوروبا ، فاني سابدا في عرض سلسلة فكرية احذر فيها من الشعور بالعزة والكرامة التي من شانها ان تضعف روح الاندماج ، وتعزز روح النمردة على السيستيم والنظام العام ، فالقبول الذليل بكل يطرح علينا هو المفتاح للتقدم والنجاح في هذا البلد ، يجب ان نردد كما يقول كتابنا العرب في الصحف الرئيسية الصادرة في لندن ، والذين احسب انهم فهموا اللعبة جيدا وانا لست احسن حالا منهم واخص بالذكر المفكر والمثقف الكبير حازم صاغية في الحياة وعادل درويش وعبد الرحمن الراشد وصالح القلاب في الشرق الاوسط ، هؤلاء الذين احرص على قراءتهم بعد الافطار ، ولهذا اردد افكارهم العقلانية عل احدا ينتبه الى صاحب هذه الكلمات واحتسابه على قائمة المثقفين الليبراليين واصحاب الحداثة ومابعد بعد الحداثة . ابدا بالصلاة على النبي بالقول على طريقتهم " ان الامة العربية سقطت من على سكة التاريخ ، وان اي ادعاء بالنصر كما تردد قناة المنار الفضائية هو من قبيل التخريف والمبالغة الانشائية ، وان حزب الله اخطر على الامة من احتلال اسرائيل لفلسطين وامريكا للعراق ، لان الموافقة على رواية هذا الحزب حول النصر يعني تضييقا على الحريات المدنية ، التي تعني الاستمتاع بمتع الحياة ، خمرا ونساء والاهم الاستمتاع بمنتجات التجميل التي امر الله عباده باستخدامها " فالله جميل يحب الجمال" ، والاحزاب الدينية وفي السنتر منها حزب الله تدعو للزهد والتواضع وتنهى عن التبرج ، وهذه دعوة ارهابية حقيقية لانها اعتداء على مصالح عباد الله الاصدقاء المخلصين من اهل الكتاب في شركات ماكس فاكتور وشانيل وبيار كاردان وغيرها من الشركات التي تقوم على خير البشرية وجمالها . هذا بعض الفتات من ايديولوجيا ابوكرش ، وهيك الفكر الليبرالي المستنير وإلا بلاش .. والى اللقاء في العدد القادم

دفاعا عن الاختلاف والتنوع

ثمة خيط رفيع بربط مقالة جاك سترو في لانكشاير تلغراف مع خطاب زعيم المحافظين ديفيد كاميرون حول بعض الأمور التي تتصل قافة المسلمين في هذه البلاد . فالأول تحدث عن النقاب الذي ترتديه بعض النساء المسلمات باعتباره عقبه في وجه الاندماج . أما الثاني فقد اعتبر ان المناطق السكنية ذات الأغلبية المسلمة تسهم في إشاعة الانعزال والقطيعة مع الجوار، والاثنان اخترعا اصطلاح المجتمعات الموازية ، ولهذا جاء التزامن في الحديثين والاستخلاصات لتصب في صالح هذا الربط ، ولصالح القلق الذي يساورغالبية العرب والمسلمين البريطانيين خاصة بعد محاضرة البابا بندكيت السادس عشر حول الهوية المسيحية لأوروبا الذي وضع الإسلام كدين لاعقلاني خارج السياق الثقافي للقارة.القلق مبررلأنه ينذر بتراجع بريطانيا ذات التراث الديمقراطي العظيم عن قيم حق الاختلاف والتنوع في الرأي والاعتقاد ونمط الحياة ، تلك القيم التي أدرجت في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وكانت سببا لحرب باردة استنزفت مقدرات أوروبا من اجل القضاء على الأنظمة الشيوعية في العالم.
أما المسالة الأخرى فهي اعتقادنا ان تلك الملاحظات التي أدلى بها سترو لا تبني الجسور بين الثقافات المكونة لبريطانيا ، بل من شأنها مضاعفة القلق والسلبية والتطرف والانعزال والكراهية بين مكونات المجتمع ، خاصة وأنها استندت إلى أرضية تبسيطية في جوهرها لم تقرأ الآخر ولم تستمع اليه .
ونشير إلى ان المقالة فتحت الباب لدعوات عنصرية وعدوانية تجاه الجاليات المسلمة اتخذت طابعا عنيفا في بعض الحالات ، وفي حالات اخرى حفلت الصحف اليمينية بمقالات تهدد الأساسي التعددي للبلاد ، فصحيفة الديلي تلغراف اعتبرت أن النساء المسلمات بتن يمثلن تحديا "لبنائنا السياسي المعاصر". وتساءلت إحدى الكاتبات "هل أن حق الفرد في ممارسة ديانته مقدم على حق المساواة بين النوعين؟
وتشي اللغة والأفكار بمنطق استعلائي تعليمي وكأن المرأة المسلمة في بريطانيا حبيسة منزلها تعاني قهرا يوميا ، يمنع عليها التعليم والعمل ويجبرها على الزواج ، هذه الصورة النمطية الخاطئة التي يجري ترويجها في عصر انفجار المعلومات .

نحن في هذا الصدد نقول إننا تختلف مع بعض الاجتهادات التي تضع النقاب في صلب العقيدة الإسلامية الا أننا نقف وبقوة مع حق المرأة في اختيار لباسها الذي تريد بما في ذلك اللباس الإسلامي المحتشم ، ذلك موقف مبدئي يقف ضد "تسليع" المرأة وتحويل جسدها الى بضاعة لإثارة الغرائز البدائية في سوق الإعلان والتسويق ، نضيف في هذا السياق إننا نقف بقوة مع حق بعض النساء في إعلان ذواتهن الثقافية من خلال النقاب والحجاب أو اللباس المحتشم او المختلف كحق إنساني فردي . جديث سترو نراه دعوة صريحة الى مجتمع بلا تعددية ثقافية والى تماثل وتطابق قيمي يحاكي شيوعية الصينيين في الخمسينات والستينات